كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن سعيد بن جبير أنه صلى الله عليه وسلم كان يستلم الحجر فتمنعه قريش ويقولون: لا ندعك حتى تستلم بآلهتنا فوقع في نفسه أن يفعل ذلك مع كراهية فنزلت. قال القفال: من المعلوم أن المشركين كانوا يسعون في إبطال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصى ما يقدرون عليه، فتارة كانوا يقولون: لو عبدت آلهتنا عبدنا آلهك فنزلت: {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون} [الكافرون: 1، 2] وقوله: {ودّوا لو تدهن فيدهنون} [القلم: 9] وتارة عرضوا عليه الأموال الكثيرة والنسوان الجميلة ليترك ادعاء النبوة فنزلت {ولا تمدّن عينيك إلى ما متعنا} [طه: 131] وأخرى دعوه إلى طرد المؤمنين فنزل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم} [الأنعام: 52] وكل ذلك دليل على أنهم قصدوا أن يفتنوه عن دينه ويزيلوه عن منهجه. فلو لم يكن شيء من الروايات المذكورة موجودًا لكان للآية محمل صحيح. والمعنى وإن الشأن قاربوا أن يخدعوك فاتنين. وأصل الفتنة الاختبار ومنه فتن الصائغ الذهب ثم استعمل في كل من أزال الشيء عن حده وجهته، وذلك في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن وافتراء على الله من تبديل الوعد بالوعيد وغير ذلك {وإذا لاتخذوك} أي لو اتبعت مرادهم لاتخذوك {خليلًا} ولكنت لهم وليًا وخرجت من ولايتي {ولولا أن ثبتناك} لولا تثبيتنا وعصمتنا لك {لقد كدت تركن إليهم} لقاربت أن تميل إلى مرادهم {شيئًا قليلًا} أي ركونًا قليلًا. قال ابن عباس: يريد حيث سكت عن جوابهم.
قال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» ثم توعده في ذلك أشد الوعيد فقال: {إذا لأذقناك} أي لو قاربت أن تركن إليهم أدنى ركون لأذقناك {ضعف الحياة وضعف الممات} أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. والضعف عبارة عن ضم الشيء إلى مثله. وقال صاحب الكشاف: المراد عذاب الممات وهو عذاب القبر، وعذاب الحياة وهو عذاب حياة الآخرة أي عذاب النار. والعذاب يوصف بالضعف كقوله: {فزده عذابا ضعفًا في النار} [ص: 61] بمعني مضاعفًا فكان أصل الكلام عذاباَ ضعفًا في الحياة الدنيا وعذابًا ضعفًا في الممات، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، ثم أضيفت الصفة كإضافة الموصوف فقيل: ضعف الحياة وضعف الممات كما لو قيل: لأذقناك أليم الحياة وأليم الممات. وقال التفسير الكبير: حاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك وعقدت على الركون إليه همك لاستحققت تضعيف العذاب عليك في الدنيا والآخرة، ولصار عذابك مثلي عذاب المشرك في الدنيا ومثلي عذابه في الآخرة. والسبب في تضعيف هذا العذاب أن أقسام نعم الله تعالى في حق الأنبياء أكثر فكانت ذنوبهم وكذا عقوبتهم أعظم نظير: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] ثم إن إثبات الضعف لا يدل على نفي الزائد عليه لأن دليل الخطاب لا حجة فيه فقد يرتقى الضعف إلى مالا حد له كما جاء في الحديث: «من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» {ثم لا تجد لك علينا نصيرًا} يعني لو أذقناك ذلك لم تجد أحدًا يخلصك من عذابنا. واعلم أن القرب من الفتنة لا يدل على الوقوع فيها. والتهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها فلا يلزم من الآية طعن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه أنه لا عصمة من المعاصي إلا بتوفيق الله وتثبيته على الحق. وقالت المعتزلة: المراد بهذا التثبيت الألطاف الصارفة عن ذلك وهي ما أخطر الله بباله من ذكر وعده ووعيده كونه نبيًا من عنده. وأجيب بأنه لو لم يوجد المقتضى للإقدام على ذلك الفعل المحذور لم يكن إلى إيجاد المانع حاجة، وليس ذلك المقتضي إلا القدرة مع الداعي ولا ذلك المانع إلا داعية أخرى معارضة للداعي الأول وقد أوجدها الله تعالى عقيب ذلك.
ثم ذكر طرفًا آخر من مكايدهم فقال: {وإن كادوا ليستفزونك} {إن} مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة كما في الآية الأولى ومعنى {ليستفزونك} ليزعجونك كما مر في قوله: {واستفزز} [الآية: 64] والأرض إما أرض مكة، كما قال قتادة ومجاهد ويرد عليه أن كاد للمقاربة لا للحصول لكن الإخراج قد حصل قوله: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك} [محمد: 13] ويمكن أن يقال: إنهم هموا بإخراجه ولكن الله منعهم من ذلك حتى هاجر بأمر ربه، فأطلق الإخراج على إرادة الإخراج مجوزًا يؤيده قوله: {وإذا لا يلبثون} وهو معطوف على {يستفزونك} أي لا يبقون بعد إخراجك إلا زمانًا قليلًا أي لو أخرجوك لاستؤصلوا لكنه لم يقع الاستئصال فدل ذلك على عدم وقوع الإخراج. ومن جوز وقوع الإخراج قال: المراد بعدم اللبث أنهم أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل. واما أرض المدينة على ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة حسدته اليهود وكرهوا قربه منهم وقالوا: يا أبا القاسم إن الأنبياء بعثوا بالشام وهي بلاد مقدسة وكانت مهاجر إبراهيم، فلو خرجت إلى الشام لآمنا بك واتبعناك. وقد علمنا أنه لا يمنعك من الخروج إلا خوف الروم، فإن كنت رسول الله فالله مانعك منهم فعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أميال من المدينة أو بذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويراه الناس عازمًا على الخروج إلى الشأم لحرصه على دخول الناس في دين الله فنزلت الآية فرجع.
وعلى هذا القول تكون هذه الآية أيضًا مدنية، والخلاف في معنى الخلف كما مر في قوله: {بمقعدهم خلاف رسول الله} [التوبة: 81] وقرئ: {وإذا لا يلبثوا} بحذف النون على إعمال إذن فتكون الجملة برأسها معطوفة على جملة قوله: {وإن كادوا ليستفزونك}. ثم بين أن عادته تعالى جارية بأن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم فإنه يهلكهم {فقال سنة من قد أرسلنا} وهو منصوب على المصدر المؤكد أي سن الله ذلك سنة {ولا تجد لسنتنا تحويلًا} لأن الأسباب الكلية في الأزل اقتضت توزع كل من أجزاء الزمان على حادث معين بسبب معين، فتبيدل إحدى الحوادث وتحويلها إلى وقت آخر يقتضي تغيير الأسباب عن أوضاعها وهو محال عقلًا وعادة.
وقال أهل النظم: لما قرر الإلهيات والمعاد والجزاء أردفها بذكر أشرف الطاعات وهي الصلاة. وأيضًا لما قال: {وإن كادوا ليستفزونك} أمره بالاشتغال بعبادته تفويضًا للأمور إلى الله وتعويلًا على فضله في دفع شر أعدائه نظيره قوله في سورة طه: {فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} [طه: 130] ذهب كثير من المفسرين كابن قتيبة وسعيد بن جبير منقولًا عن ابن عباس، أن دلوك الشمس هو غروبها. وعلى هذا لا تشمل الآية صلاتي الظهر والعصر. وأكثر الصحابة والتابعين على أن دلوك الشمس زوالها عن كبد السماء ويؤيده ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبرائيل لدلوك الشمس حين زالت الشمس فصلى بي الظهر» قالوا: واشتقاقه من الدلك لأن الإنسان يدلك عينيه إذ ينظر إليها وهي في كبد السماء. وعلى هذا التفسير تشمل الآية جميع الصلوات الخمس. وحمل كلام الله على ما هو أكثر فائدة أولى واللام بمعنى الوقت أو للتعليل أي أدم الصلاة في هذا الوقت أو لأجل دخول هذا الوقت {إلى غسق الليل} أي ظلمته. قال الكسائي: غسق الليل غسوقًا أي أظلم، والاسم الغسق بفتح السين والتركيب يدور على السيلان ومنه يقال: غسقت العين إذا هملت وكأن الظلام انهمل على الدنيا وتراكم. وهذا عند سيبويه الشفق الأبيض، فاستدل به بعض الشافعية على أن أول وقت العشاء الآخرة يدخل بغروب الشفق الأحمر لأن المحدود إلى غاية يكون مشروعًا قبل حصول تلك الغاية. وهذا الاستدلال مبني على أن الغاية لا تدخل في ذي الغاية، وعلى أن الآية يجب أن تشمل جميع الصلوات، وللخصم المنع في المقامين. ثم إن المفسرين أجمعوا على أن المراد بقرآن الفجر هو صلاة الصبح تسمية للشيء ببعض أجزائه، ومثله تسمية الصلاة ركوعًا وسجودًا وقنوتًا. قال جار الله: إنه حجة علي ابن علية والأصم في زعمهما أن القراءة ليست بركن.
قلت: أجزاء الصلاة أعم من أركانها ولهذا قسمت الفقهاء الصلاة إلى أركان وأبعاض وهيئات فلا يتم هذ الاعتراض.
وفي الآية مسائل: الأولى: استدل بعض الشيعة بها على جواز الجميع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقًا. وأجيب بأن الآية مخصوصة بفعل الرسول أو بقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ويستثنى منه عذر السفر والمطر لعدم الدليل المخصص في تلك الصورة فلزم إبقاؤها على الجواز الأصلي.
الثاني: استدل بعض الشافعية بها على أن التغليس في صلاة الصبح أفضل من التنوير لوجوه منها: أنه أضاف القرآن إلى الفجر والتقدير: أقم قرآن الفجر. وظاهر الآية للوجوب فلا أقل من الندب حتى لا تكثر مخالفة الدليل. والفجر انفجار ظلمة الليل فيلزم أن تكون إقامة الفجر في أول الوقت أفضل. ومنها أنه خص الفجر بإضافة القراءة إليه فدل ذلك على أن طول القراءة في هذه الصلاة مطلوب، ولن يتم هذا المطلوب إلا إذا شرع في أدائه في أول الوقت، ومنها أنه وصف قرآن الفجر بكونه مشهودًا فقيل: أي يشهده الكثير من المصلين في العادة، أو من حقه أن يكون مشهودًا بالجماعة الكثيرة. وقال أكثر المفسرين: معناه أن ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون في صلاة الصبح تنزل هؤلاء وتصعد هؤلاء في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار. وقيل: إنهم يجتمعون خلف الإمام تنزل ملائكة النهار عليهم وهم في صلاة الصبح قبل أن تعرج ملائكة الليل. فإذا فرغ الإمام من صلاته عرجت ملائكة الليل ومكثت ملائكة النهار. ثم إن ملائكة الليل إذا صعدت قالت: يا رب إنا تركنا عبادك لك، وتقول ملائكة النهار: ربنا لقينا عبادك وهم يصلون. فيقول الله لملائكته: اشهدوا فإني قد غفرت لهم. والغرض أن المكلف إذا شرع في صلاة الصبح في آخر الظلمة الذي هو أول الفجر كانت ملائكة الليل حاضرين بعد. ثم إذا امتدت هذه الصلاة بسبب ترتيل القراءة وتكثيرها زالت الظلمة بالكل أو بالأكثر وحضرت ملائكة النهار، وهذا المعنى لا يحصل إذا ابتدىء بها وقت التنوير. قال أهل التحقيق: إذا شرع في صلاة الصبح في أول وقتها شاهد في أثنائها انقلاب العالم من الظلمة- التي هي نظيره الموت- إلى الضياء الذي هو نظير الحياة، فإنه يفيء عقله من هذه الحالة إلى عجيب صنع الخلاق المدبر للأنفس والآفاق، فيزداد بصيرة وإيقانًا ومعرفة وإيمانًا، وتنفتح عليه أبواب المكاشفة والمشاهدة. وإذا كان هذا المعنى في الجماعة الكثيرة صارت نفوسهم كالمرايا المشرقة المتقابلة المتعاكسة أضواؤها الواقعة على كل منها، فيزداد كل منهم نورية وبهاء. فيحتمل أن يكون قوله: {مشهودًا} إشارة إلى هذه الأحوال المشاهدة. ولا ريب أنه إذا شرع في الصلاة أول انتباهه من النوم قبل أن يرد على لوح عقله وفكره النقوش الفاسدة من الأمور الدنيوية الدنية، كان أولى فإن الأنبياء ما بعثوا إلا لإزالة مثل هذه الأمراض عن النفوس.
ثم حث على قيام الليل فقال: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} قال أبو عبيدة وابن الأعرابي: هذا من الأضداد لأنه يقال: هجد الرجل إذا نام وهجد أيضًا إذا صلى من الليل، وبوسط الأزهري فقال: الهجود في الأصل هو النوم بالليل، ولكن تاء التفعل فيه لأجل التجنب به ومنه تأثم وتحرج وإذا ألقى الإثم والحرج عن نفسه. فكأن به المتهجد يدفع الهجود عن نفسه. وبوجه آخر لما كان غرض المصلي بالليل أن يطيب رقاده وهجوده بعد الموت سمي بذلك الاعتبار متهجدًا. وربما يقال: سمي تهجدًا لأن الأصل فيه أن يرقد ثم يصلي ثم يرقد ثم يصلي، فهو صلاة بعد رقاد كما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولداود كما جاء في الحديث: «أفضل القيام قيام داود كان ينام ثلثه ويقوم سدسه ثم ينام ثلثه ويقوم سدسه» قال جار الله: معنى {ومن الليل} وعليك بعض الليل {فتهجد به} وقال في التفسير الكبير: تقديره وأقم الصلاة في بعض الليل فتهجد به أي بالقرآن ومعنى نافلة زائدة كما مر في أول الأنفال. ثم من ذهب إلى أن صلاة الليل كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم. زعم أن معناها كونها فريضة له زائدة على الصلوات الخمس، أو المراد أن فرضيتها نسخت عنك فصارت تطوعًا زائدة على الفرائض. ويرد عليه أن الأمر ظاهره الوجوب فيكون بين قوله: {فتهجد} وبين قوله: {نافلة} تعارض، وكذا الاعتراض على قول من يقول إن صلاة الليل لم تكن واجبة عليه. ويمكن أن يجاب عنه بأن قوله: {نافلة} قرينة صارفة للوجوب إلى الندب.
وعن مجاهد والسدي أن كل طاعة يأتي بها النبي سوى المكتوبة فإن تأثيرها لا يكون في كفارة الذنوب لأنه غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر، وإنما تكون مؤثرة في زيادة الدرجات وكثرة الثواب ولا كذلك حال الأمة فكأنه قيل للنبي: إن هذه الطاعات زوائد ونوافل في حقك لا في حق غيرك، لأن غيرك يحتاج إليها في تكفير السيئات ومن تقييد التهجد بقوله: {
نافلة لك} يعلم أن قوله: {أقم الصلاة} عام له ولكل أمته وإن كان ظاهره خطابًا معه.
ثم وعده على إقامة الفرائض والنوافل بقوله:
{عسى أن يبعثك ربك} ولا ريب أن {عسى} من الكريم أطماع واجب قال في الكشاف: انتصب {مقامًا محمودًا} على الظرف أي عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقامًا محمودًا، أو ضمن يبعثك معنى يقيمك، أو هو حال أي يبعثك ذا مقام محمود، وقيل: إنه مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات.
والأولى أن يخص ذلك بالشفاعة لأنه الحمد إنما يكون بإزاء إنعام ولا إنعام للنبي على أمته في الآخرة إلا إنعام الشفاعة، أو لا إنعام أجل منها لأن السعي في تخليص الغير من العقاب أهم من السعي في إيصال الثواب إليه، ويؤيده رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي» وأما ما روى عن حذيفة أن المقام المحمود هو أن يجمع الناس في صعيد واحد ولا تتكلم نفس، فأول مدعو محمد فيقول: لبيك وسعديك والشر ليس إليك، والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت. فليس بقوي لأن هذا القول من محمد لا يوجب حمدًا له من أمته إلا أن يكون من مقامات الشفاعة فيرجع إلى الأول. وقيل: أراد مقامًا تحمد عاقبته. وروى الواحدي عن ابن مسعود أن ذلك حين يقعد محمد معه على العرش وزيف بلزوم التحيز له تعالى. قوله: {مدخل صدق} و{مخرج صدق} مصدران بمعنى الإدخال والإخراج، والإضافة إلى الصدق لأجل المبالغة نحو: حاتم الجود أي إدخالًا يستأهل أن يسمى إدخالًا ولا يرى فيه ما يكره. قال الحسن وقتادة: نزلت حين أمر بالهجرة يريد إدخال المدينة والإخراج من مكة، وقيل: إن اليهود لما قالوا له اذهب إلى الشام فإنه مسكن الأنبياء وعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذهاب إليه فكأنه قيل له المعبود واحد في كل البلاد {وما النصر إلا من عند الله} فداوم على الصلاة وارجع إلى مقرك ومسكنك. {وقل رب أدخلني} في المدينة {مدخل صدق وأخرجني} منها إلى مكة {مخرج صدق} أي افتحها لي فعلى هذين القولين يكون الكلام عودًا إلى الواقعة المذكورة في قوله: {وإن كادوا ليستفزونك} والأولى أن يقال إنه عام في كل ما يدخل فيه ويلابسه ثم يتركه من أمر ومكان. وقيل: أراد إدخاله مكة ظاهرًا عليها الفتح وإخراجه منها آمنًا من المشركين. وقيل: إدخاله الغار وإخراجه منه سالمًا.